الكتاب يروي سيرة مانديلا الذاتية التي كتبها بقلمه أثناء سجنه والكتاب كبير فهو من 600 صفحة
سابقا كنت لا أعرف عن مانديلا شيئاً سوى أنه قد سجن 27 عاما وأنه كان رئيسا سابقا لجنوب افريقيا هذا كل ماكنت أعرفه عنه
أما وبعد قراءتي لهذا الكتاب اكتشفت أن سيرة مانديلا تستحق الوقوف عندها طويلا ودراستها فرأيه ونضاله وفكره تثبت أننا أمام شخصية عظيمة
يبدأ نيلسون مانديلا سيرته منذ الطفولة وبالمناسبة اسم مانديلا هذا هو اسمه الإنجليزي وليس الأفريقي الأصلي ففي جنوب افريقيا عندما يبلغ الطفل سن المدرسة يعطى اسما أجنبيا أما اسمه الذي اختاره له أبواه فلن يعرفه أحد به سوى من سماه
ويذكر مانديلا أصل عائلته وحكمها وتاريخها ثم ينتقل لسنوات الدراسة ويفصل فيها وكان طموحه هو أن يكون محاميا فقط ولم يفكر يوما بالنضال السياسي ولأن والده توفي وهو صغير كما أنه من اسرة عريقة فقد تولى أمره بعد الدراسة أحدد ملوك القبائل المحليين وساعده لدخول الجامعة ودراسة القانون والحقوق على أن يصبح بعد ذلك محاميا كبيرا ثم يتولى حكم قبيلته الخاضعة في النهاية لسيطرة الرجل الأبيض إلى أن أراد هذا الحاكم تزويج ابنه ومانديلا من فتاتين لايرغبان في الزواج منهما فهربا وهما لم يعتادا على حياة بسيطة ومارس مانديلا في بلدة أخرى مهنة المحاماة كمتدرب فهو لم يزل طالبا في الجامعة ثم يتعرف على صديق يتبع لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي وبدأ يحضر معه الاجتماعات وهو لا يفكر في الانخراط في العمل السياسي أبدا لكنه كما يقول : لم أولد برغبة جامحة لأكون حرا ولكنني ولدت حرا بكل ما كنت أدرك من معاني الحرية فانضم للحزب عضوا فاعلا إلى أن أصبح من أهم الأعضاء في الحزب وقدد فرض عليه حظر العمل السياسي كما حظر عليه حضور الاجتماعات لكنه كان حاضرا فيها دائما فهو يكتب كل مايريد قوله وهو المحرك الأساسي لهذه الاجتماعات ويتناقش بصورة خفية مع الأعضاء قبل الاجتماع ويكتب توصياته والمحاور ويرسلها خفية ويحرك الاجتماع بذلك وهو في مكانه وعاني كثيرا واكتشف أن الأساس في ما يعانيه السود هو شعور داخلي تولد من احتلال دام 3 قرون بأنهم أقل مستوى من البيض وكذلك الفقر وقلة التعليم ، وفي التعليم يقول مانديلا: التعليم هو أعظم محرك للنضوج الشخصي ، فهو الذي يمكن ابنة الفلاح من أن تصبح طبيبة وابن عامل المنجم أن يصبح رئيسا للمناجم وابن عامل المزرعة أن يصبح رئيسا لدولة عظمى. وعن سياسة التفرقة العنصرية : أنا مقتنع بأن سياسة التفرقة العنصرية مسؤولة عن الدفع بكثير من المواطنين الأسوياء الصالحين إلى عالم الجريمة فالمنطق يقول أن أي نظام قضائي لا يقوم على العدل والأخلاق لايمكن إلا أن يولد الاحتقار والازدراء لكل ماينبثق عنه من قوانين وأنظمة.
ويحكي مانديلا بالتفصيل وإني لأعجب من قدرته على تذكر كل هذه التفاصيل فهو يحكي عن الاجتماعات والخطب والكلمات التي ألقاها والحوارات التي تدور بينه وبين الحكومة وبين أصدقائه ومع المعارضين ويصف حياته وكيف أن النضال أبعده عن زوجته وأولاده وأنه لايراهم إلا قليلا وكما يقول : لقد آمنت دائما بأن النضال من أجل الحرية يفرض على الإنسان بأن يكبت مشاعره الخاصة التي تميزه عن الآخرين وتحول دون أن يصبح جزءا من حركة جماهيرية فالمناضل يكافح من أجل الملايين وليس من أجل فرد واحد وهذا لايعني أن يصبح الإنسان آلة أو أن يتخلى عن أحاسيسه ودوافعه الشخصية ولكنه يعني أن يخضع المناضل مشاعره الخاصة لمشاعر الحركة خضوعا كاملا كما يخضع شؤون أسرته لشؤون الأسرة الكبرى أسرة الشعب.
ثم تبدأ تهمة الخيانة والمرافعات والمحكمة وقد فصلّها مانديلا في كتابه وذكر الحيل التي تتبعها الحكومة لتثبت التهم عليهم وتسجنهم جميعا وقد توقع مانديلا ورفاقه حكم الإعدام عليه لكن صدر السجن بدلا من الإعدام ففرح كثيرا فهو لن يتوقف عن نضاله حتى في السجن فقد شاهد فيه العنصرية في طعام السجناء ولبسهم فالسجناء البيض مساحة الحرية التي لديهم تفوق السود وقد منع مانديلا من الكتابة لكنه استطاع كتابة مذكراته هذه وتهريبها خارج السجن وكذلك الطعام المقدم للبيض أفضل وأكثر من طعام الملونين الذين طعامهم أفضل من السود طبعا وقد واصل نضاله في السجن من أجل تحقيق المساواة بين السجناء في كل شيء وقد حقق تقدما كبيرا في ذلك ومن أقواله عن السجن : السجن والسجان شريكان في مؤامرة واحدة هدفها الأول سلب الإنسان كرامته وكان ذلك في حد ذاته ضمانا بأنني سأنتصر لأن أي إنسان أو مؤسسة تحاول إن تسلب مني كرامتي سوف تخفق لأنني لن أتخلى عنها مهما كان الثمن وتحت أي ضغوط.
جزيرة روبن التي اعتقل فيها مانديلا
وسجن مانديلا في جزيرة روبن التي لايمكن الوصول إليها إلا بالطائرة ويسمح لأقرب أقربائه بزيارته فقط كل ستة أشهر وتكاليف الطائرة مرتفعة ويضيق عليهم وفي أحد المرات مكث سنتين لم يزره أحد وحاولوا مساومته كثيرا بأن يطلقوه بشرط أن يتخلى عن نشاطه فرفض فهو يتناقش مع السجناء ويوصل رسائل للحزب عن طريق المطلق سراحهم وبذلك استمر ارتباطه بالحزب طيلة فترة سجنه ورغم إيمان مانديلا الشديد بقضيته إلا أنه لم يكن جامدا ومتشددا بل كان مرنا يطور أفكاره كثيرا ويتناقش مع المساجين الجدد من الشباب ليفهم طريقة تفكيرهم ويطوّر من تفكيره هو الأخر وقد أعجبتني مقولته هذه كثيرا : لقد انقضى العهد الذي تركناه خارج السجن وأصبحنا نواجه خطر تحجر أفكارنا في عالم الزمن فالسجن نقطة سكون في عالم متحرك ومن السهل على المرء أن يظل في السجن عند نقطة بعينها بينما العالم يتقدم ويتغير .
زنزانة مانديلا
ثم يخرج مانديلا بعد 27 عاما قضاها في السجن ليواصل نشاطه وتواصل الحكومة محاولاتها معه لإقناعه بالتخلي عن النشاط السياسي مقابل المال والراحة والمنصب ليرفض ويصبح بعدها أول رئيس أسود لجنوب افريقيا
باختصار الكتاب رائع جدا وفيه الكثير من الأفكار والأحداث رغم إغراقه في التفاصيل فهو يذكر جميع جلسات المحاكمة وماتم فيها ومرافعات الدفاع والإدعاء والخطب التي ألقاها والتحقيقات وأسماء الأشخاص الذين عرفهم جميعا وما حصل له في السجن وماحصل لزوجته والضغوط التي مورست عليها لكنها كانت مفيدة وتخدم الكتاب رغم أن البعض لا يحبذها لكن بالنسبة لي أعجبتني كثيرا وأعجبتني سيرة مانديلا وشخصيته
سطور من الكتاب
إن مايميز فرداً عن فرد آخر هو قدريته على توظيف ماعنده من إمكانيات وليس مايعطى من ممتلكات ومزايا
إن المناضل تصاحبه أفكار النضال والتحريض أينما ذهب وحيثما حل.
إنه من المستحيل فهم الأنظمة والقوانين التي تنتج عن اجتماع البيروقراطية المكبلة والعنصرية البغيضة.
عندما تتحدى كرامة إنسان ما فتوقع منه المقاومة والتصدي.
إنني لا اعتقد يا سيادة القاضي بأن هذه المحكمة في معاقبتها لي على التهم الموجهة إليّ يجب أن تعتبر أن العقوبات لا تردع الرجال من إتباع ما يعتقدون أنه الحق فالتاريخ شاهد على أن العقوبات لا تردع الرجال في القضايا التي تمس ضمائرهم ولن تردع عقوبة مهما كانت أبناء شعبي أو زملائي الذين عشت معهم النضال .
لا يسلب السجن الإنسان حريته وحسب بل يحاول أن ينتزع هويته فكل واحد يرتدي بدلة من نفس الطابع ويأكل نوع الطعام نفسه ويتبع الجدول اليومي نفسه من العمل والروتين السجن نظام استبدادي قهري لا يقبل الاستقلال أو تميز الشخصية.
الكتاب يحتوي على صور لمانديلا في مراحل عمرية مختلفة ولصديقه الحميم ورئيس الحزب الذي عاش 30 سنة في المنفى ولزوجته وابنته ولبعض الأشخاص الذين كان لهم تأثير وأهمية وكذلك لمانديلا مع رئيس الحكومة الأبيض الذي سبقه في الحكم وصور عند خروجه من السجن واستقبال الناس له
وقد لخص الدكتور عائض القرني
هنا ما أردت قوله بعد أن انتهيت من الكتاب
ولا أعلم صحتها فقد بحثت عن مصدرها ولم أجد لكنها بليغة واختصرت ما وددت قوله